درس الْعَمَلُ عِبَادَةُ
محتوى النص
محتوى النص
الْعَمَلُ
عِبَادَةٌ، وَهُوَ طَرِيقُ الْمُستَقْبَلِ، وَقَدْ أَمَرَ اللهُ عَز وجَلَّ
باِلعْمَلِ، ومَِنْ ذلَِكَ مَا جَاء فِي قَوْلِهِ تعَاَلىَ:
( وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي
الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ)
وَإِذَا
تَتَبَّعْنَا قَصصَ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسلِ عَلَيْهِمُ السلام فَسَنَجِدُ
أَنَّهُم كَانُوا يَعْمَلُونَ بِمِهَنٍ مُتَعَدِّدَةٍ؛ فَآدَمُ كَانَ حَرَّاثًا،
وَنُوحُ كَانَ نَجَّارًا، وَإِدْرِيسُ كَانَ خَيَّاطًا، وَدَاوُدُ كَانَ
حَدَّادًا، وَمُوسَى كَانَ رَاعِيًا، وَإِبْرَاهِيمُ كان فَلاَّحًا، وَصالِحُ
كَانَ تَاجِرًا، وَأَمَّا النَّبِيُّ مُحَمَّدُ صلَّى اللهُ عَليَْهِ وَسَلمَّ
فَقَدْ كَانَ رَاعيًا يَرعَى غَنمَ أهَلِ بيَتِه، وَمَا مِنْ نبَيٍّ إلَّا وَقَدْ
رَعَى الْغَنَمَ.
وَكَانَتْ
حَوَّاءُ تَغْزِلُ الصوفَ، فَتَكْسو نَفْسَهَا وَوَلَدَهَا. كَمَا أَنَّ مَرْيَمَ
بِنْتَ عِمْرَانَ كَانَتْ تَصنَعُ ذَلِكَ.
لَقَدْ
بَرَعَ كُلُّ نَبِيٍّ مِنْهُمْ عَليْهِمُ السلام فِي مِهْنَةٍ وَاحِدَةٍ؛
لِأَنَّهُ لَا يَستَطِيعُ إِنْسَانٌ وَاحِدُ استِيعَابَ جَمِيعِ الصنَاعَاتِ
الْمُتَفَرِّقَةِ، فَكَانَ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَنْ يَستَعِينَ بَعْضهُمْ
بِبَعْض.
قَالَ
الشاعِرُ:
النَّاسُ لِلنَّاسِ مِنْ بَدْوٍ
وَحَاضرَةٍ بَعْضُ
لِبَعْض وإنْ لَمْ يَشعُرُوا خَدَمُ
فَهَذَا
يَبْذُرُ لِهَذَا قَمْحًا يَأْكُلُهُ، وَهَذَا يَخِيطُ لِهَذَا ثَوْبًا يَلْبَسهُ،
وَهَذَا يَبْنِي لِهَذَا بَيْتًا يَسكُنُهُ، وَهَذَا يَصنَعُ لِهَذَا بَابًا
يُغْلِقُهُ عَلَى بَيْتِهِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَكَادُ يُدْرِكُهُ
الْعَدَدُ مِنَ الصنَاعَاتِ وَالْحَاجَاتِ؛ لأِنه لَيْسَ فِي استِطَاعَةِ
إِنْسَانٍ وَاحِدٍ أنْ يَكُونَ فلاحًا نَساجًا بَنَّاءً نَجَّارًا، وَإنْ أَحْسَنَ
فِي وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الصنَاعَاتِ فَلَنْ يُحْسنَهَا جَمِيعًا، وَكَيْفَ
لِلطَّبِيبِ مَثلا أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الطِّبِّ وَالْفِلاحَةِ.
لِذا
نَحْنُ نُحِبُّ هَؤُلَاءِ، وَنُحِبَّ وُجُوهَهُمُ الَّتِي يَظْهَرُ عَلَيْهَا
الصبْرُ وَالْجَلَدُ؛ فَالْعَامِلُ الَّذِي يُجْهِدُ نَفْسَهُ لِنَرْتَاحَ، هُوَ
صاحِبُ الْفَضلِ، فَإِذَا أعْطَيْتَهُ أُجْرَتَهُ شَكَرَكَ قَبْلَ أَنْ تَشكُرَهُ.
نشرف بتعليقاتكم