عَامِلُ النَّظَافَةِ
دَخَلَ
الْمُعَلِّمُ الْفَصلَ فَشَاهَدَ أَوْرَاقًا مُبَعْثَرَةً هُنَا وَهُنَاكَ،
فَطَلَبَ مِنْ كُلِّ تِلْمِيذٍ أَنْ يَجْمَعَ مَا حَوْلَهُ.
بَدَأَ
التَّلامَيذُ فِي جَمْعِ الْأَوْرَاقِ إِلاَّ سَمِيرًا بَقِيَ جَالِسا، لَمْ
يُشَارِكْ فِي تَنْظِيفِ الْفَصلِ؛ فَسَأَلَهُ الْمُعَلِّمُ: لِمَاذَا لَمْ
تُشَارِكْ زُمَلاءَكَ يَا سَمِيرُ؟
سَمِيرٌ:
أَنَا لَستُ زَبَّالاً يَا أُستَاذُ.
الْمُعَلِّمُ:
لَا، يَا سَمِيرُ. إنَّ مَنْ يَقُومُ بِتَنْظِيفِ الشوَارِعِ لَا نَقُولُ إِنَّهُ
زَبَّالُ؛ بَلْ نَقُولُ إِنَّهُ عَامِلُ نَظَافَةٍ، ثُمَّ هَلْ سَأَلْنَا
أَنْفُسَنَا يَوْمًا عَنْ هَؤُلَاءِ العُمَّالِ، وَعَنْ أَهَمِيَّةِ مِهْنَتِهِمُ
الَّتِي يَقُومُون بِهَا، وَعَنْ أَحْوَالِهِمْ وَمُعَانَاتِهِمْ؟
هَلْ
فَكَّرْنَا يَوْمًا: كَيْفَ يَعْمَلُون؟ مَتى يَبْدَؤُونَ الْعَمَلَ؟ وَمَتَى يَنْتَهُونَ؟
وَمَاذا
يُوَاجِهُونَ فِي يَوْمِهِمُ الطَّوِيلِ؟ وَمَا أَوْقَاتُ رَاحَتِهِمْ
وَسَعَاَدتِهِمْ؟
وَهَلْ
نُدْرِكُ حَجْمَ مَا يَقُومُونَ بِهِ؟!
أَكْثَرُ
مَنْ نَرَاهُمْ فِي الطُّرُقَاتِ، هَمُّهُمْ نَظافَةُ الْمَنَاطِقِ
الْمُكَلَّفِينَ بِهَا، وَغَايَتُهُمْ بِالتَّأْكِيدِ لُقْمَةُ الْعَيْشِ،
وَالْعَمَلُ الشرِيفُ، فَالشمْسُ هِيَ صدِيقَتُهُمْ، وَرَفِيقَتُهُمْ، يَبْدَأ
الْعَمَلُ قَبْلَ شرُوقِهَا، وَيَستَمِرُّ حَتَّى مَغِيبِهَا، وَهَذَا مَا يَبْدُو
عَلَى وُجُوهِهِم المُتْعَبةِ.
إنَّ
عَامِلَ النَّظَافَةِ يُوَاجِهُ يَوْمَهُ بِنَشَاطٍ وَحَمَاسَةٍ، حَيْثُ يَحْمِلُ
أَدَوَاتِهِ بِهُدُوءٍ، وَيَبْدَأُ الْعَمَلَ مِنْ أَوَّلِ الشارِعِ حَتَّى
نِهَايَتِهِ.
يَجْمَعُ
النُّفَايَاتِ وَيَضعُهَا فِي أَمَاكِنَ مُخَصصةٍ حَتَّى تَأْتِيَ السيَّارَةُ
الْمُخَصصةُ لِتَأخُذَهَا خَارِجَ الْمَدِينَةِ.
وَنَحْنُ
نَفْرَحُ عِنْدَمَا نَرَى هَذِهِ الشوارِعَ وَالطُّرُقَاتِ نَظِيفَةً، وَلَا
نَتَذَكَّرُ مَنْ كَانَ لَهُ الْفَضلُ فِي ذَلِكَ، وَمَنْ قَامَ بِهَذَا الْعَمَلِ
الشاقِّ.
إِنَّ
مِنْ واجِبِنَا تِجَاهَ هَؤُلَاءِ أَنْ نُسَاعِدَهُمْ، فَلا نَرْمِي الْأوْسَاخَ
فِي الشارِعِ، بَلْ نَضعُهَا فِي أَكْيَاسِ النُّفَايَاتِ، ثُمَّ نَضعُهَا فِي
الْحَاوِيَاتِ الْمُخَصصةِ لَهَا، وَأَنْ نَبْتَسمَ فِي وُجُوهِهِمْ،
وَنَشكُرَهُمْ عَلَى مَا يَقُومُونَ بِهِ مِنْ أجَلِنَا.
إِنَّهم
يُحِبُّونَ النَّاسَ الَّذِينَ يَتَحَدَّثُونَ مَعَهُمْ بِبَشَاشَةٍ، وَيَتَعَامَلُونَ
مَعَهُمْ بِمَحَبَّةٍ وَلُطْفٍ فَإنْ تُقَدِّرِ النَّاسَ يُقَدِّرُوكَ، وإنْ
تَحْتَرِمْهُمْ يَحْتَرِمُوكَ.
سَمِيرٌ:
أَعْتَذِرُ يَا أُستَاذُ عَمَّا بَدَرَ مِنِّي، وَأَعِدُكَ أَنْ أُحَافِظَ عَلَى
نَظَافَةِ فَصلِي، وَأتَعَاوَنَ مَعَ زُمَلائَي، وَأنْ أَحْتَرِمَ عَامِلَ
النَّظَافَةِ.
الْمُعَلِّمُ:
أَحْسَنْتَ يَا سَمِيرُ، فَالْإِسلام مَالُ حَثَّنَا عَلَى حُبِّ الْعَمَلِ،
وَنَهَانَا عَنِ الْكَسَلِ وَالْكِبْرِ وَالسخْرِيَةِ.
نشرف بتعليقاتكم