أَمِيرُ الْأطِبَّاءِ أَبُو
بَكْرٍ الرَّازِي
أَبُو
بَكْرٍ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ، عَاشَ في بَغْدَادَ عَاصمَةِ الْعُلُومِ فِي
زَمَانِهِ. وَهُوَ أَبُو الطِّبِّ الْعَرَبِيِّ، وَحُجَّةُ الطِّبِّ فِي أُورُوبَّا
قَدِيمًا.
بَدَأَتْ
حَيَاتُهُ بِحُبِّهِ الْعُلُومَ الْعَقْلِيَّةَ، فَانْشَغَلَ بِدِرَاسَةِ الرِّيَاضيَّاتِ
وَالْأَدَبِ وَنَظْمِ الشعْرِ، لَكِنَّهُ سرْعَانَ مَا غَيَّرَ اهْتِمَامَهُ
عِنْدَ بُلُوغِهِ الثَّلاثَينَ مِنْ عُمْرِهِ، وَاتَّجَهَ إِلَى دِرَاسَةِ
الطِّبِّ حَتَّى أَتْقَنَ صنَاعَتَهُ، وَصارَ جَرَّاحًا مَاهِرًا يُسَافِرُ إلَيهِ
النَّاسُ.
عُرِفَ
الرَّازيُّ بِذَكَائِهِ وَفِطْنَتِهِ؛ لِذَلِكَ عَهِدَ إِلَيْهِ الخَليفَةُ العَبَّاِسيُّ اخْتِيارَ الْمَوْقِعِ الْمُناِسبِ لِبِنَاءِ مُستَشفَىِ لِأَهْلِ
بَغْدَادَ؛ فَابْتَكَرَ لِذَلِكَ طَرِيقَةً مَا تَزالُ مَحَلَّ إِعْجَابِ الْأَطِبَّاءِ؛
إِذْ أَمَرَ بَعْضَ الْغِلْمَانِ بِأَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قِطْعَةً
مِنَ اللَّحْمِ، وَيُعَلِّقَهَا فِي نَاحِيَةٍ مِنْ نَواحِي بَغْدَادَ.
ثُمَّ
انْتَظَرَ الرَّازِيُّ لِيَرَى مَا يَحْدُثُ لِقِطَعِ اللَّحْمِ، فَإِنْ طَرَأَ عَلَى
الْقِطْعَةِ فَسَادُ أَوْ تَغَيُّرُ سَرِيعُ فَإِنَّ مَوْضعَهَا لَا يَصلُحُ لإِقامَةِ
المُستَشفَى، وَإِنْ لَمْ تَتَغَيَّرْ قِطْعَةُ اللَّحْمِ فَالْمَوْضعُ صالِحُ
لِبِنَاءِ الْمُستَشفَى، لِطيبِ هَوَائِهِ، وَخُلُوِّهِ مِنَ الْمُلَوِّثَاتِ
الَّتِي تُؤْذِي الْمَرْضى، لِذَلِكَ قَرَّرَ بِنَاءَ الْمُستشفَى فِي النَّاحِيَةِ
الَّتِي لَمْ تَفْسدْ فِيهَا قِطْعَةُ اللَّحْمِ بِسرْعَةٍ. وَبَعْدَ أَنْ بُنِيَ
الْمُستَشفَى أَمَرَ الْخَلِيفَةُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ أفْضلُ الْأَطِبَّاءِ.
اتَّبَعَ الرَّازِيُّ فِي مُدَاوَاةِ الْمَرْضى
طَرِيقَةَ الْمُشَاهَدَةِ، فَكَانَ يَسأَلُ الْمَرِيضَ عِدَّةَ أَسئِلَةٍ لِيُجِيبَ
عَنْهَا، وَمِنْ خِلَالِ الْإِجَابَةِ كَانَ الرَّازِيُّ يُقَدِّمُ الْعِلاجَ النَّافِعَ
لِمَرْضاهُ. وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ الْمَعْرُوفَةُ بِالتَّشخِيص، هِيَ
الْمُتَّبَعَةُ فِي الْمُستَشفَيَاتِ الْيَوْمَ.
كَمَا
يَعُودُ إِلَيْهِ الْفَضلُ فِي صنْعِ الْمَرَاهِمِ، وَابْتِكَار خُيُوطِ
الْجِرَاحَةِ مِنْ أَمْعَاءِ الْحَيَوَانَاتِ.
عَاشَ
الرَّازِيُّ زَمَنًا طَوِيلا وَقَدْ حَفِظَ التَّارِيخُ سيرَتَهُ وَجُهُودَهُ فِي
خِدْمَةِ الطِّبِّ، لَعَلَّ أَطِبَّاءَ الْمُسلِمِينَ يُقَدِّرُونَ جُهْدَهُ
وَيَعْتَرِفُونَ بِفَضلِهِ.
إِنَّ
أَبَا بَكْرٍ الرَّازِيَّ أَحَدُ عَبَاقِرَةِ الْمُسلِمينَ الْعَرَبِ الَّذِينَ
تَدِينُ لَهُمُ الْحَضارَةُ بِالْفَضلِ عَلَى مَرِّ الْعُصورِ.
نشرف بتعليقاتكم