أَبُو الْكِيمِيَاءِ جَابِرُ بنُ حَيَّانَ
هُوَ
أَبُو عَبْدِاللهِ جَابِرُ بنُ حَيَّانَ الْكُوفِيُّ، كَانَ وَالِدُهُ َصيْدَلِيًّا
مَارَسَ
هَذِهِ الْمِهْنَةَ
مُدَّةً طَوِيلَةً؛ فَكَانَ عَمَلُهُ دَافِعًا لشَغَفِ جَابِرٍ بِعِلْمِ
الْكِيمِيَاءِ.
أَلَّفَ
جَابِرُ عَدَدًا كَبِيرًا مِنَ الْكُتُبِ فِي عُلُومٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَلَهُ عَدِيدُ
مِنَ
الْاخْتِرَاعَاتِ؛
فَهُوَ أَوَّلُ مَنِ اْستَحضرَ
مَاءَ الذَّهَبِ، وَأَوَّلُ مَنْ صنَعَ الْمَوَادَّ الَّتِي تَعْزِلُ الْبَلَلَ عَنِ الثِّيَابِ، وَالْمصابِيحِ
وَالْمَرَايَا الْمُزَخْرَفَةِ بِالنُّقُوشِ الْإسلامَيَّةِ.
كَمَا
بَرَعَ فِي صنَاعَةِ أَنْوَاعٍ مِنَ الْحِبْرِ الْمُلَوَّنِ الَّذِي لَا تَمْحُوهُ
النَّارُ، بَلْ تَزِيدُهُ وُضوحًا وَبَرِيقًا وَثَبَاتًا.
وَتَلْبِيَةً
لِطَلَبِ أُستَاذِهِ، اخْتَرَعَ نَوْعًا مِنَ الْوَرَقِ لَا تُؤثِّرُ فِيهِ النَّارُ،
استَغْرَقَ ذَلِكَ مِنْهُ وَقْتًا طَوِيلا، إِذْ كانَ يَمْكُثُ فِي مُخْتَبَرِهِ مُنْكَبًّا
عَلَى إِجْرَاءِ التَّجَارِبِ الدَّقِيقَةِ عَلَى أَنْوَاعٍ مِنَ الْأَوْرَاقِ، يَضعُهَا
فِي مَحَالِيلَ خَاصةٍ وَيَصبُّ عَلَيْهَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ خَلِيطًا مِنَ السوَائِلَ
الَّتِي ابْتَكَرَهَا، ثُمَّ يَدَعُهَا حَتَّى تَجِفَّ، إِلَى أَنْ تَوَصلَ إِلَى اخْتِرَاعِ
الْوَرَقِ الْمُقَاوِمِ لِلنَّارِ.
وَذَاتَ
يَوْمٍ، وَبَيْنَمَا كَانَ أُستَاذُهُ جَالِسا فِي بَيْتِهِ وَمَعَهُ عَدَدُ
كَبِيرُ مِنْ ضيُوفِهِ وَتَلامَيذِهِ يَحْتَفِلُونَ بِانْتِهَاءِ الْأستَاذِ مِنْ
تَألِيفِ كِتَابٍ ضخْمٍ، دَخَلَ عَلَيْهِمْ جَابِرُ بنُ حَيَّانَ حَامِلا بَيْنَ
يَدَيْهِ نُسخَةً أُخْرَى مِنَ الْكِتَابِ مُغَلَّفَةً بِغِلافَ جَمِيلٍ مُزْدَانٍ
بِالنُّقُوشِ الْإسلامَيَّةِ، ثُمَّ فَاجَأَ الْحَاضرِينَ بِإِلْقَاءِ النُّسخَةِ
فِي مَوْقِدِ النَّارِ، فَصدَرَتْ مِنَ الْجَمِيعِ صرْخَاتُ الْاستِنْكَار، وَأَسرَعَ
بَعضهُمْ لِإنْقَاذِ الْكِتَابِ مِنَ النَّارِ، إِلاَّ أَنَّ جَابِرًا أَخْرَجَهُ
مِنَ النَّار سَلِيمًا، وَكَأَنَّ النَّارَ لَمْ تَمْسَسهُ.
حَقًّا
إِنَّ جَابِرَ بنَ حَيَّانَ عَبْقَرِيُّ مِنْ عَبَاقِرَةِ الْعَرَبِ والْمُسلِمِينَ
الَّذِينَ نَبَغُوا فِي عِلْمٍ لَمْ يَشْتهَرْ فِيهِ أحَدُ قَبْلَهُم، وَلَقَدِ اعْتَرَفَ
بِفَضلِهِ عُلَمَاءُ الشرْقِ وَالْغَرْبِ، وأَنْزَلُوهُ مَكَانَتَهُ الْعَالِيَةَ بَيْنَ
العُلَمَاءِ، فَلَعَلَّ جِيلَ الْيَوْمِ يَعْتَرِفُونَ
بِفَضلِهِ،
وَيَسيرُونَ عَلَى خُطَاهُ.
نشرف بتعليقاتكم